فصل: الشاهد الرابع والستون بعد الستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.مقتل بركة في محبسه وقتل ابن عزام بثأره.

كان الأمير بركة استعمل أيام امارته خليل بن عزام استاذ داره ثم اتهمه في ماله وسخطه ونكبه وصادره على مال امتحنه عليه ثم أطلقه فكان يطوي له على النكث ثم صار بركة إلى ما صار إليه من الاعتقال بالاسكندرية وتولي ابن عزام نيابتها فحاول على حاجة نفسه في قتل بركة ووصل إلى القاهرة متبرئا من أمره متخوفا من مغبته ورجع وقد طوى من ذلك على الدغل ثم حمله الحقد الكامن في نفسه على اغتياله في جنح الليل فأدخل عليه جماعة متسلحين فقتلوه وزعم أنه أذن له في ذلك وبلغ الخبر إلى كافل الدولة الأمير برقوق وصرح مماليكه بالشكوى إليه فأنكر ذلك وأغلظ على ابن عزام وبعث دوداره الأمير يونس يكشف عن سببه واحضار ابن عزام فجاء به مقيدا وأوقفه على شنيع مرتكبه في بركة فحلف الأمير ليقادن منه به وأحضر إلى القلعة في منتصف رجب من سنة اثنتين وثمانين فضرب بباب القلعة اسواطا ثم حمل على جمل مشتهرا وأنزل سوق الخيل فتلقاه مماليك بركة فتناولوه بالسيوف إلى أن تواقعت اشلاؤه بكل ناحية وكان فيه عظة لمن يتعظ أعاذنا الله من درك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء انتهى.

.وفاة السلطان المنصور علي بن الأشرف وولاية الصالح أمير حاج.

كان هذا السلطان علي بن الأشرف قد نصبه الأمير قرطاي في ثورته على أبيه الأشرف وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلم يزل منصورا والأمر ينتقل من دولة كما ذكرناه إلى أن هلك لخمس سنين من ولايته في صفر سنة ثلاث وثمانين فحضر الأمير برقوق واستدعى الأمراء واتفقوا على نصب أخيه أمير حاج ولقبوه الصالح وأركبوه إلى الايوان فأجلسوه على التخت وقلده الخليفة على العادة وجعل الأمير برقوق كافله في الولاية والنظر للمسلمين لصغره حينئذ عن القيام بهذه العهدة وأفتى العلماء يومئذ بذلك وجعلوه من مضمون البيعة وقرىء كتاب التقليد على الأمراء والقضاة والخاصة والعامة في يوم مشهود وانفض الجمع وانعقد أمر السلطان وبيعته وضرب فيها للأمير برقوق بسهم والله تعالى مالك الأمور.

.وصول أنس الغساني والد الأمير برقوق وانتظامه في الأمراء.

أصل هذا الأمير برقوق من قبيلة جركس الموطنين ببلاد الشمال في الجبال المحيطة بوطء القفجاق والروس واللان من شرقيها المطلة على بسائطهم ويقال إنهم من غسان الداخلين إلى بلاد الروم مع أميرهم جبلة بن الايهم عندما أجفل هرقل إلى الشام وسار إلى القسطنطينية وخبر مسيره من أرض الشام وقصته مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه متناقلة معروفة بين المؤرخين وأما هذا الرأي فليس على ظاهره وقبيلة جركس من الترك معروفة بين النسابين ونزولهم بتلك المواطن قبل دخول غسان وتحقيق هذا الرأي أن غسان لما دخلوا مع جبلة إلى هرقل أقاموا عنده ويئسوا من الرجوع لبلادهم وهلك هرقل واضطرب ملك الروم وانتشرت الفتنة هنالك في ممالكهم واحتاجت غسان إلى الحلف للمدافعة في الفتن وحالفوا قبائل جركس ونزلوا في بسيط جبلهم من جانبه الشرقي مما يلي القسطنطينية وخالطوهم بالنسب والصهر واندرجوا فيهم حتى تلاشت احياؤهم وصاروا إلى تلك الأماكن وأووا من البسائط إلى الجبال مع جركس فلا يبعد مع هذا أن تكون أنسابهم تداخلت معهم ممن انتسب إلى غسان من جركس وهو مصدق في نسبه ويستأنس له بما ذكرناه فهو نسبة قوية في صحته والله تعالى أعلم وجلب هذا الأمير برقوق على عهد الأمير بيبقا عثمان قراجا من التجار المعروفين يومئذ بتلك الجهات فملكه بيبقا وربي في أطباق بيته واوى من قصده وشد في الرماية والثقافة وتلعم آداب الملك وانسلخ من جلدة الخشونة وترشح للرياسة والامارة والسعادة تشير إليه والعناية الربانية تحوم عليه ثم كان ما ذكرناه من شأن مماليك بيبقا ومهلك كبيرهم يومئذ استدمر وكيف تقسموا بين الجلاء والسجن وكان الأمير برقوق أعزه الله تعالى ممن أدركه التمحص فلبث في سجن الكرك خمس سنين بين أصحاب له منهم فكانت تهوينا لما لقي من بوائقه وشكرا له بالرجوع إلى الله ليتم ما قدر فيه من حمل امانته واسترعاء عباده ثم خلص من ذلك المحبس مع أصحابه وخلى سبيله فانطلقوا إلى الشام واستخلصهم الأمير منجك نائب الشام يومئذ وكان بصيرا مجربا فألقى محبته وعنايته على هذا الأمير لما رأى عليه من علامات القبول والسعادة ولم يزل هناك في خالصته إلى أن هجس في نفس السلطان الاشرف استدعاء المرشحين من مماليكه وهذا الأمير يقدمهم وأفاض فيهم الاحسان واستضافهم لولده الأمير علي ولم يكن إلا أيام وقد انتقض الجائي القائم بالدولة وركب على السلطان فأحضرهم السلطان الأشرف وأطلق أيديهم في خيوله المقربة وأسلحته المستجادة فاصطفوا منها ما اختاروه وركبوا في مدافعة الجائي وصدقوه القتال حتى دافعوه على الرميلة ثم اتبعوه حتى ألقى نفسه في البحر فكان آخر العهد به واختلوا بمكان من أثره السلطان واختصاصه فسوغ لهم الاقطاعات وأطلق لهم الجرايات ولهذا الأمير بين يديه من بينهم مزيد مكانة ورفيع محل إلى أن خرج السلطان الاشرف إلى الحج وكان ما قدمناه من انتقاض قرطاي واستبداده ثم استبداد ايبك من بعده وقد عظم محل هذا الأمير من الدولة ونما عزه وسمت رتبته ثم فسد أمر ايبك وتغلب على الأمر جماعة من الأمراء مفترقي الأهواء وخشي العقلاء انتقاض الأمر وسوء المغبة فبادر هذا الأمير وتناول الحبل بيده وجعل طرفه في يد بركة رديفه فأمسك معه برهة من الأيام ثم اضطرب وانتقض وصار إلى ما صار إليه من الهلاك واستقل الأمير برقوق بحمل الدولة والعناية الربانية تكفله والسعادة تواخيه وكان من جميل الصنع الرباني له أن كيف غريبة في اجتماع شمل أبيه به فقدم وفد التجار بابيه من قاصية بلادهم بعد أن أعملوا الحيلة في استخلاصه وتلطفوا في استخراجه وكان اسمه أنس فاحتفل ابنه الأمير برقوق من مبرته وأركب العساكر وسائر الناس على طبقاتهم لتلقيه واعد الخيام بسرياقوس لنزوله فحضروا هنالك جميعا في ثاني ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وجلس الأمير أنس الوافد صدر المجلس وهم جميعا حفافيه من القضاة والأمراء ونصب السماط فطعم الناس وانتشروا ثم ركبوا إلى البلد وقد زينت الأسواق وأوقدت الشموع وماجت السكك بالنظارة من عالم لا يحصيهم إلا خالقهم وكان يوما مشهودا وأنزله بالاصطبل تحت المدينة الناصرية ونظمه السلطان في أقربائه وبني عمه وبني إخوانه واجتمع شملهم به وفرض لهم الأرزاق وقررهم في الوظائف ثم مات هذا الأب الوافد وهو الأمير أنس رحمه الله في أواسط وثمانين بعد أن أوصى بحجة إسلامه وشرفت مراتب الإمارة بمقامه ودفنه السلطان بتربة الدوادار يونس ثم نقله إلى المدفن بجوار المدرسة التي أنشاها بين القصرين سنة ثمان وثمانين والله يؤتي الملك من يشاء.